الضربة الإسرائيلية المحتملة- مصافي النفط الإيرانية أم المفاعلات النووية؟

في مطلع أكتوبر الحالي، شنت إيران هجومًا مكثفًا بالصواريخ الباليستية على مناطق متعددة في إسرائيل، مع استخدام أسلحة أكثر تطورًا من تلك المستخدمة في الضربات السابقة في أبريل. كانت هذه الخطوة بمثابة رسالة قوية لإسرائيل بأن أي عدوان آخر على السيادة الإيرانية سيواجه بتصعيد أكبر في الهجمات.
على الرغم من التهديدات القوية التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد الهجوم، أن الهجوم الصاروخي الإيراني "فشل" وأن طهران ستدفع ثمن ذلك. وأفادت صحيفة "هآرتس" بأن الجيش الإسرائيلي يستعد لشن هجوم كبير داخل إيران.
بينما تركز الاهتمام على توقيت الرد الإسرائيلي المحتمل، وتوقع البعض أنه سيكون وشيكًا، إلا أن السؤال الأهم أصبح يتعلق بموقع الضربة الإسرائيلية المحتملة وما إذا كانت ستؤدي إلى حرب شاملة. كانت هناك تكهنات كثيرة حول ما إذا كانت إسرائيل سترد بمئات الصواريخ الباليستية، انتقامًا لاغتيال شخصيات بارزة.
في تطور مهم، صرح نائب وزير الخارجية الأميركي، كورت كامبل، بأن إدارة الرئيس بايدن ستركز على التوفيق بين وجهات النظر مع الإسرائيليين بشأن أي رد محتمل على الهجوم الإيراني، واصفًا الوضع الحالي في الشرق الأوسط بأنه "لحظة حرجة".
يتفق الجميع على أن المنطقة في وضع خطر وتنذر بالانزلاق إلى حرب، على الرغم من التصور السابق بأن الولايات المتحدة وإيران متفقتان على تجنب التصعيد. ومع ذلك، فإن جوهر القضية يكمن في المشاورات الأميركية الإسرائيلية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان أن يكون الرد الإسرائيلي متوافقًا مع مصالحها.
إن محاولة التوفيق بين وجهات النظر تثير تساؤلات حول الأهداف المحتملة لطائرات "إف-35". نتنياهو يذكّر إيران بأن قدرات بلاده العسكرية تعتمد على الدعم العسكري الأميركي، وأن الرد سيكون وفقًا للتوجيهات الأميركية، ومصممًا لتجنب تفاقم الحرب وتوسعها.
ركز العديد من المحللين على احتمال قيام إسرائيل بشن هجمات متكررة على مفاعلات إيران النووية، مستندين إلى تقارير قديمة تعود إلى عام 2012، والتي أشارت إلى ضغوط من نتنياهو على الرئيس الأميركي للموافقة على ضربات مركزة لتعطيل قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية.
في حين أن هذا قد يكون هدف نتنياهو، إلا أن الوضع الحالي لا يسمح له باتخاذ قرارات منفردة بشأن الأهداف، ليس بسبب عدم قدرته على ذلك، بل لأنه يدرك أن أي مغامرة مع إيران، في ظل الحرب التي يخوضها على جبهات متعددة، ستجعله عرضة للضربات الصاروخية الإيرانية المتطورة، مثل صواريخ "فاتح 1" الباليستية الأسرع من الصوت.
قد تلجأ إسرائيل إلى توجيه ضربات للمفاعلات النووية في حال اشتد الصراع وتوسع، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران ليست في مرحلة إنتاج الأسلحة النووية، وبالتالي يجب توجيه الضربات إلى أهداف أكثر حساسية، لا لإيران فحسب، بل لحلفائها أيضًا.
بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل، تصاعدت النقاشات حول طبيعة الرد الإسرائيلي، وتزايدت التقارير التي تشير إلى أن الضربة الإسرائيلية ستركز على منشآت إيران النفطية ومصافي الغاز، وهو ما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة. تسعى واشنطن إلى استهداف هذه المنشآت التي تمول أنشطة إيران ووكلائها في المنطقة، وتمكن الحرس الثوري من تطوير قدراته العسكرية.
يعتبر الاقتصاد الإيراني من بين الاقتصادات الرئيسية في العالم، ويعتمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز. وفي وقت سابق، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية وثيقة استشارية لمساعدة المؤسسات المالية على اكتشاف المعاملات غير المشروعة المحتملة المتعلقة بالمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران.
تؤكد الوثيقة أن الأحداث الأخيرة كشفت عن تورط إيران في تمويل أنشطة مختلفة في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا.
لا يقتصر الطموح الأميركي على استهداف مصادر التمويل الرئيسية للنظام الإيراني ووكلائه، بل تعتبر واشنطن أيضًا أن إيران تستخدم موانئها كملاذ آمن لـ "أسطول الظل" الروسي للتهرب من العقوبات الغربية.
علاوة على ذلك، أثار إعلان طهران عن نيتها استيراد الغاز من روسيا دهشة الأوساط الإيرانية، على الرغم من أن إيران تعد ثالث أكبر منتج للغاز في العالم. يبدو أن هذه الخطوة تهدف إلى دعم موسكو من خلال تبادل الغاز الروسي بالصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية.
لن يؤدي استهداف القدرة النفطية الإيرانية إلى تضييق الخناق الاقتصادي على روسيا فحسب، بل سيؤثر أيضًا على الصناعات الصينية، مما يمثل ضربة استراتيجية للمنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة. كانت الصين وإيران قد وقعتا اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة في عام 2022، تستفيد بموجبها الصين من الطاقة النفطية والغاز الإيراني لمدة 25 عامًا.
تحتاج إسرائيل إلى هذا الرد لاستعادة توازن الردع، بغض النظر عن الأهداف التي ستضربها. وفي الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى تحقيق أهدافها المتمثلة في عرقلة قوة صاعدة تسعى إلى تغيير النظام الدولي. لذلك، ستسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بشن ضربة انتقامية مدمرة، ولكن وفقًا لشروطها، وباستخدام أسلحتها، وبهدف تجنب توسيع نطاق الحرب قدر الإمكان.